responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 606
إِلَى مَنْزِلِهِ خَاسِرًا. شَبَّهَ مَصِيرَهُمْ إِلَى الْخُسْرَانِ بِرُجُوعِ التَّاجِرِ الْخَاسِرِ بَعْدَ ضَمِيمَةِ قَوْلِهِ: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: نُورٌ عَلى نُورٍ [النُّور: 35] أَيْ نُورٌ عَظِيمٌ وَقَوْلِهِ: ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ [النُّور: 40] وَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ:
أَرَقٌ عَلَى أَرَقٍ وَمِثْلِيَ يَأْرَقُ وَهَذَا مِنَ اسْتِعْمَالِ التَّكْرِيرِ بِاخْتِلَافِ صِيغَةٍ فِي مَعْنَى الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ كَقَوْل الحطيئة:
أَنْت آلُ شَمَّاسِ بْنِ لَأْيٍ وَإِنَّمَا ... أَتَاهُمْ بِهَا الْأَحْلَامُ وَالْحَسَبُ الْعَدُّ
أَيِ الْكَثِيرُ الْعَدَدِ أَيِ الْعَظِيمُ وَقَالَ الْمَعَرِّيُّ:
بَنِي الْحَسَبِ الْوَضَّاحِ وَالْمَفْخَرِ الْجَمِّ أَيِ الْعَظِيمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهِ شِدَّةُ الْحَالِ لَا أَنَّهُ أَرَادَ غَضَبَيْنِ وَهُمَا غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِلْكُفْرِ وَلِلْحَسَدِ أَوْ لِلْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَقَوْلُهُ: وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ هُوَ كَقَوْلِهِ: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ [الْبَقَرَة: 89] أَيْ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ لِأَنَّهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَالْمَهِينُ الْمُذِلُّ أَيْ فِيهِ كَيْفيَّة احتقارهم.
[91]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 89] الْمَعْطُوفِ عَلَى قَوْلِهِ: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ [الْبَقَرَة: 88] وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ مَعْطُوفًا عَلَى وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي اعْتِبَارِ الْعَطْفِ عَلَى مَا هُوَ مَعْطُوفٌ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ عَطْفِ حِكَايَاتِ أَحْوَالِهِمْ فِي مَعَاذِيرِهِمْ عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَإِذَا دُعُوا قَالُوا: قُلُوبُنَا غُلْفٌ وَإِذَا سَمِعُوا الْكِتَابَ أَعْرَضُوا عَنْهُ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُنْتَظِرِيهِ حَسَدًا أَنْ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ
غَيْرِهِمْ، وَإِذَا وُعِظُوا وَأُنْذِرُوا وَدُعُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَبِأَنَّهُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَأَنْ يَنْظُرُوا فِي دَلَائِلِ كَوْنِهِ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَعْرَضُوا وَقَالُوا: نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا أَيْ بِمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِنَا مُوسَى، وَهَذَا هُوَ مَجْمَعُ ضَلَالَاتِهِمْ وَمَنْبَعُ عِنَادِهِمْ فَلِذَلِكَ تَصَدَّى الْقُرْآنُ لِتَطْوِيلِ الْمُحَاجَّةِ فِيهِ بِمَا هُنَا وَمَا بَعْدَهُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ الْآتِي: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ [الْبَقَرَة: 106] الْآيَاتِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 606
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست